المواطَنة فكرة عملية وليست ذهنية، وهي صيغة مفاعلة، وشراكة في الحفاظ على التراب وتماسك بين مختلف أطياف المجتمع لتكوين بنية صلبة لا تهزها عواتي رياح الخارج. والمجتمع في الإمارات وفي دول الخليج يعتمد في ولائه السياسي على بيعة الآباء والأجداد للحكّام لإدارة البلاد. وأثبتت الأنظمة قوتها واستقرارها في ظل الهزات التي تصيب الأنظمة التي ادعت على مدى نصف قرن أنها ديمقراطية. والمواطَنة ليست كلاماً، وإلا كيف يبيع الإنسان ولاءه للخارج وهو يدعي أنه مواطن، أو كيف يحمل في ذمته بيعتين، بيعة للمرشد في الخارج وبيعة للحاكم في الداخل! لهذا فإن إحدى البيعتين ستكون كاذبةً بالتأكيد لوجود التعارض التام والفرق بين الرجوع لتنظيمات سرية وعلنية في الخارج، وبين أن تكون مواطناً حقيقياً لا تباع ولا تشترى ولا تهزك أي ريح صرصر عاتية؟! لنقرأ قصص الآباء والأجداد وولاءهم لأوطانهم وحبهم لها. خذ هذا المثال عن حب الوطن لدى مجتمع كوريا الجنوبية، فحين أصيب مجتمعهم قديماً بأزمة اقتصادية تبرع الناس من حر ماله لميزانية الدولة، وبهذا تجاوزوا الأخطار الاقتصادية وأعادوا ترتيب وطنهم من جديد. هذا هو الولاء؛ أن تكون لبنةً في بناء الوطن الشامخ، لبنةً قويةً وليست مغشوشةً ربما أضرت بالبناء، هذا هو الفرق بين المواطن وبين الذي يعتبر الوطن مجرد مسكن يمكنه أن يستغني عنه أو أن يعمل ضده في حال كان مجنداً للتنظيمات السرية. يحاول بعض الأيديولوجيين المتحمسين الحركيين أن يشوهوا مفهوم «الطاعة»، وهذه موجة واضحة منذ بدء ما سمي بـ«الربيع العربي». كتبوا أن طاعة الحاكم مرتبطة بالإنجازات التي يؤديها ويقوم بها، فإن قصّر فلا طاعة له! طبعاً هذا المنطق خاطئ جداً، لأننا سندخل في معنى «التقصير» الذي هو من طبيعة البشر، إذ قد يعتري هذا الطرف أو ذاك قصور في مجال هنا أو هناك، لكن المظالم لا تحل بنزع الطاعة وإنما باللجوء إلى مؤسسات العدالة القائمة. منطق الإخوانيين أو غيرهم يقوم على ربط الطاعة بالعدالة المطلقة التي لا توجد إلا في أذهانهم للأسف! يحاول بعض الأيديولوجيين والحركيين انتقاص مفاهيم مثل «البيعة» أو «الطاعة»، فبعض الإخوانيين يزدرون البيعة والطاعة، ويريدون «الديمقراطية»! ومن بعد أن يصلوا إلى الحكم يصبحون مستبدين متنفذين آخذين كل الحكم لهم وحدهم ويقصون كل المنافسين، تماماً كما فعلت أحزاب شيوعية وبعثية وقومية. هذه هي طبائع الفكر الشمولي والحركات الديكتاتورية. من الأخطاء الكارثية لـ«الإخوان» أنهم ألغوا مفهوم المواطَنة وازدروه، وكذلك فعلوا مع البيعة والطاعة، ولم يكونوا حداثيين إلا في المسائل السياسية، تأتي الديمقراطية ودولة المؤسسات والشراكة السياسية، لكن حين تحدثهم عن التحديث الفكري مثل التسامح والاعتراف بالآخرين مهما اختلفت أديانهم أو خطر التكفير أو ضرورة إدانة العنف، حين تتحدث معهم بهذه الأفكار المهمة ينسحبون ويخافون، بل ويدبرون. المشكلة أيها السادة أن هناك من يريد طمس المفاهيم التي تؤسس للنسيج الاجتماعي المترابط وعلى رأس تلك المفاهيم المواطنة، والولاء، والبيعة، والطاعة. يزعمون أنهم يريدون الديمقراطية، وكأنهم لا يريدون السلطة المطلقة وإعادة الخلافة الإسلامية!